المقدمة
إنّ غيبة المهدي المُنتظر الذي يملأ الأرض قِسطاً وعدلا حقيقة نبوية كانت معروفة منذ بداية الإسلام بين أتباع أهل البيت عليهم السلام .
فكانوا يعرفون أنّ المهدي ستكون له غيبة وينقطع خبره عن الناس زماناً طويلاً ثم يَبعثه الله تبارك وتعالى فيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجوراً . حتى انحرف من انحرف من المسلمين ووضعوا هذه الغيبة في غير موضعها وادّعوها لأشخاص كانوا يعتقدون بمهدويّتهم .
عمر بن الخطاب أول من وضعَ الغيبة في غير موضعها
قال الشيخ الأعظم محمد بن علي الصدوق ، في كتابه كمال الدين ص30 :
"وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أولهم عمر بن الخطاب فإنه قال لما قبض النبي صلى الله عليه وآله : والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عليه السلام عن قومه وإنه سيظهر لكم بعد غيبته ...الخ"انتهى
قلتُ : روى البخاري في صحيحه ج 8 ص 126 :
"حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه انه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس عن المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فان يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فان الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر...الخ" انتهى
وروى البخاري في صحيحه ايضا ج 4 ص 194 :
"حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح قال إسماعيل يعنى بالعالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله فقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين ابدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال الا من كان يعبد محمدا فان محمدا صلى الله عليه وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت وقال إنك ميت وانهم ميتون وقال وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين قال فنشبح الناس يبكون قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بنى ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك الا انى قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الا مراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله" انتهى
وفي مسند احمد بن حنبل ج6 ص219 :
" 25883 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرني أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب فقال صاحبي يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك قالت وما العراك وضربت منكب صاحبي فقالت مه آذيت أخاك ثم قالت ما العراك المحيض قولوا ما قال الله المحيض ثم قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض ثم قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا مر ببابي مما يلقى الكلمة ينفع الله عز و جل بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر أيضا فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا قلت يا جارية ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي فمر بي فقال يا عائشة ما شأنك فقلت أشتكى رأسي فقال أنا وارأساه فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جىء به محمولا في كساء فدخل علي وبعث إلى النساء فقال إني قد اشتكيت وإني لا أستطيع أن أدور بينكن فأذن لي فلأكن عند عائشة أو صفية ولم أمرض أحدا قبله فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت إنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نطفة باردة فوقعت على ثغرة نحري فاقشعر لها جلدي فظننت إنه غشي عليه فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إلى الحجاب فنظر عمر إليه فقال وأغشياه ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموت حتى يفنى الله عز و جل المنافقين ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال وا نبياه ثم رفع رأسه ثم حدر فاه وقبل جبهته ثم قال واصفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموت حتى يفنى الله عز و جل المنافقين فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عز و جل يقول { إنك ميت وإنهم ميتون } حتى فرغ من الآية { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } حتى فرغ من الآية فمن كان يعبد الله عز و جل فإن الله حي ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات فقال عمر وإنها لفي كتاب الله ما شعرت إنها في كتاب الله ثم قال عمر يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين فبايعوه فبايعوه
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن "
أقول : فتأمّل قول عمر بن الخطاب "والله ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم "
وقوله "قال كنت أرجو ان يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم "
وقوله "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يموت حتى يفنى الله عز و جل المنافقين"
فمن جهله انّه كان يقسم ويحلف على غيبة الرسول صلى الله عليه وآله وأنّ الله سيبعثه ليقطع أيدي رجال وأرجلهم ويعيش حتى يكون آخرهم .
قال ابن حجر في فتح الباري ج13 ص 209 :
" قوله قال يعني عمر كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يدبرنا ضبطه بن بطال وغيره بفتح أوله وسكون الدال وضم الموحدة أي يكون آخرنا قال الخليل دبرت الشيء دبرا اتبعته ودبرني فلان جاء خلفي وقد فسره في الخبر بقوله يريد بذلك ان يكون آخرهم ووقع في رواية عقيل ولكن رجوت ان يعيش رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يدبر أمرنا وهو بتشديد الموحدة وعلى هذا فيقرأ الذي في الأصل كذلك والمراد بقوله يدبرنا يدبر أمرنا لكن وقع في رواية عقيل أيضا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم آخرنا وهذا كله قاله عمر معتذرا عما سبق منه حيث خطب قبل أبي بكر حين مات النبي صلى الله عليه و سلم فقال أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يمت وقد سبق ذلك واضحا.." انتهى
وفيه أنّ عمر بن الخطاب كان قد أثبت أمرين :
الأمر الأول : غيبة النبي محمد صلى الله عليه وآله وأنّ الله سيبعثه ليقطع أيدي وأرجل المنافقين ، .
الأمر الثاني : العمر الطويل للنبي صلى الله عليه وآله ، لأنّه يعيش حتى يكون آخرهم ولا يموت حتى يفني الله المنافقين .
فهو أوّل من وضع الغيبة في غير موضعها من جهله الشديد . ثم رجع بعد ذلك عما أثبته بعدما تبين له سوء تشخيصه.